بغداد ـ أربيل هل الطريق سالكة؟

18/03/2024 08:35

( بقلم : أحمد صبري )
المُتابع لمسار العلاقة بَيْنَ بغداد وأربيل بعد غزو العراق واحتلاله، يستطيع القول إنَّها غير مستقرَّة، ولا تستند إلى معايير الثِّقة المتبادلة بَيْنَ شركاء الحُكم الَّتي ينبغي أن تكُونَ هذه السِّمة عنوانها، على الرّغم من أنَّ الشريك الكردي في النِّظام السِّياسي يتمتع إلى حدٍّ ما بِدَوْر فاعل في مسار العمليَّة السِّياسيَّة كطرفٍ متوازن وربَّما محايد. غير أنَّ أزمة الثِّقة الَّتي تتكرَّس في الحياة السِّياسيَّة بَيْنَ رموز الطَّبقة السِّياسيَّة كتعبيرٍ عن حالة عدم التَّوافق بَيْنَهم، لا سِيَّما بَيْنَ بغداد وأربيل، انعكست على مسار وطبيعة العلاقة الَّتي مرَّت على إقليم كردستان والحكومة المركزيَّة في بغداد لعقدَيْنِ كامليْنِ، فلَمْ تكُنِ القضيَّة الكرديَّة في خطَر منذ سنة 1991 مِثلما هي عَلَيْه الآن. وعِنْدما نتحدَّث عن توصيف الحالة الَّتي تطبع علاقة المركز والإقليم، فإنَّنا نلاحظ أنَّهما تحوَّلا من شركاء في الحُكم إلى أعداء من فرط الخلافات الَّتي تأصَّلت بَيْنَهم، وأزمة الثِّقة وعقدة الخوف والارتياب بَيْنَ مُكوِّناتهم.
إنَّ ما يحدُث الآن هو وقوع أربيل في فخِّ التَّرحيل والتَّأجيل للملفَّات القانونيَّة والسِّياسيَّة المؤثِّرة في مستقبل كردستان ونتيجة لتغيُّر موازين القوى. فمن أجْلِ تجاوزه بسلامٍ والحفاظ على الحقوق والمكتسبات، يستوجب الأمْرُ إعادة المعادلات السَّابقة للقوى الحاكمة والمؤثِّرة على الأحداث كما كانت البداية.
والسُّؤال: هل هذا ممكن الآن؟
والجواب: الواقع الحالي وطبقًا لِمَا نلمَسُه ونعيشه لا يشجِّع على التفاؤل، وإنَّما إلى مزيدٍ من التَّعقيد وتعميق الخلافات من دُونِ أمَلٍ في أيِّ جهد حقيقي لمواجهة الحقائق بإرادة وطنيَّة تُلبِّي مشاغل المواطن بوطنٍ موحَّد وآمِن ومستقرٍّ من دُونِ هيمنة طرفٍ واحدٍ على القرار السِّياسي دُونَ الآخرين.
لقَدْ تميَّزت العلاقة بَيْنَ الحكومة المركزيَّة وسُلطة إقليم كردستان على مدى السَّنوات الَّتي أعقبت غزو العراق بالتوتُّر واختلاف الرؤى في توصيف العلاقة بَيْنَ الطرفيْنِ، وصلَ الأمْرُ إلى غياب الثِّقة بَيْنَهما واضطرار بغداد إلى تصحيح الأوضاع في كركوك بعد أن عمدَت سُلطة الإقليم إلى شمول هذه المحافظة بمظلَّة سُلطة الإقليم دُونَ العودة إلى بغداد الَّتي بسطَت سُلطتها على كركوك.
وربَّما لا يختلف اثنان على أنَّ معادلة المركز والأطراف ستبقى مختلَّة وغير مستقرَّة، وخاضعة لنيَّات واستحقاقات الطرفيْنِ إذا لَمْ يتحقَّق التوازن بَيْنَهما. فالأوَّل ـ ونقصد به المركز ـ يسعى لتكريس هيمنته على القرار وسُلطته على الأطراف، فيما يسعَى الطرف الثَّاني ـ ونقصد به الأطراف ـ إلى الإفلات من هيمنة المركز قدر المستطاع لِتَأكيدِ استقلاليَّته من مظلَّة الدَّولة المركزيَّة.
فإقليم كردستان وما يتمتع به من استقلاليَّة شِبه كاملة عن المركز يُشجِّع الآخرين على المطالَبة بتشكيل الأقاليم أو الفيدراليَّة كنَوْعٍ من أنواع الاستقلال عن السُّلطة المركزيَّة، وما يُشجِّع هذه النَّزعة الدُّستور العراقي الَّذي أباح لجميع محافظات العراق تشكيل هذه الكيانات في إطار ما يُسمَّى بالعراق الاتِّحادي..
فإقليم كردستان يسعى إلى المناصفة في القرار السِّياسي مع بغداد، في حين أنَّ السُّلطة المركزيَّة تنظُر برِيبة إلى هذا المَنحَى الَّذي تعتقد أنَّه سيؤدِّي إلى تراجع، إن لَمْ نقُلْ إلى تلاشي دَوْر المركز في إدارة شؤون العراق.
إنَّ فشل وإخفاق رموز الطَّبقة السِّياسيَّة في إيجاد قواسم مشتركة في العمل السِّياسي لإخراج الوطن من أزمته من دُونِ أملٍ للحلِّ هو الَّذي أدَّى أن يبقَى العراق يتخبَّط في أزماته على مدى السَّنوات الماضية، وما ينذر بأزمة خطيرة بَيْنَ بغداد وأربيل هي واحدة من أخطر الأزمات الَّتي يعيشها العراق
وما قرار سلطات اقليم كردستان الى مقاطعة الانتخابات ورفض قرارات المحكمة  الاتحادية العاليا الا دليل على  ان الطريق  بين بغداد واربيل   ليست سالكة ويكتنفها الغموض وعدم الثقة  وربما القطيعة  بعد  التلويح بمقاطعة العملية السياسية الحالية.
 

All Right Reserved © 2023